الابتكار الاجتماعي
تقييم أثر البصائر السلوكية

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 13

تقييم أثر البصائر السلوكية

   دانة القديري

لماذا يجب إجراء التجارب وتقييم أثر تدخلات الرؤى السلوكية قبل التنفيذ على نطاق واسع؟

في السنوات الأخيرة لجأ صانعو القرار بصورة متزايدة إلى استخدام الرؤى السلوكية لتصميم تدخلات تدفع الأفراد أو المؤسسات نحو تغيير سلوكي إيجابي. وبينما تكمن في هذه الرؤى السلوكية إمكانات كبيرة لمعالجة التحديات الاجتماعية، فإن هناك أهمية كبيرة لتقييم أثر هذه التدخلات (Impact evaluation) من خلال التجارب على عينة من المستفيدين قبل التنفيذ بالكامل. فما المقصود بذلك؟ وما أهمية تقييم الأثر قبل توسيع تطبيق التدخلات السلوكية؟

يأتي قياس الأثر للإجابة عن سؤال جوهري: هل هذا التدخل السلوكي يحدث الأثر المتوقع منه أم لا؟ فعند وجود تحد سلوكي يبدأ علماء السلوك باستخدام نهج موحد في أساسياته، حيث يبدأ أولاً بتعريف التحدي السلوكي، وتعريف المخرج الأساسي المطلوب تغييره، ثم يحدد الأسباب الجذرية للمشكلة لدى الأفراد: ما أبرز التحيزات المعرفية أو العاطفية المؤدية لهذا السلوك؟ ما المؤثرات البيئية أو الاجتماعية المؤدية لهذا السلوك؟ بعد ذلك تصمم الحلول الاستراتيجية والتدخلات السلوكية، ولكن بدلاً من تطبيقها على نطاقها الأوسع، ينتقي العلماء عينة ممثلة للمجتمع لاختبار هذه الحلول على نطاق أصغر باستخدام أساليب تجريبية محكمة، وبعد جمع البيانات واستخلاص النتائج وإثبات فاعلية التدخل يكتب العلماء توصياتهم لتعميم هذا التدخل على المجتمع المستهدف.

وتتلخص أهمية التجربة وتقييم الأثر بالآتي:

تقليل المخاطر:

يسمح تقييم أثر التدخلات السلوكية في مراحلها الأولية بتحديد وتخفيف المخاطر المحتملة قبل التنفيذ الواسع النطاق، وفهم السلبيات المحتملة والعواقب غير المقصودة، لتقليل التأثيرات السلبية في الأفراد والمجتمعات.

فهم أثر السياق المجتمعي:

تتفاوت استجابة السلوك من مجتمع إلى آخر، لذلك فإن الرؤى السلوكية التي نجحت في دولة ما قد لا تنطبق نتائجها علينا، لذلك فإن إجراء التجربة على عينة ممثلة للمجتمع توفر معلومات قيمة حول كيفية نجاح التدخلات لدى فئات سكانية محددة، والمطلوب تعديله لنجاح التدخل وتصميم التدخلات بطريقة ملائمة للفئة المستهدفة وثقافتها، وتجنب النهج القائم على الحلول الموحدة للجميع. 

تحسين التصميم والتنفيذ:

توفر التجربة فرصة لتحسين تصميم وتنفيذ التدخلات السلوكية، إذ يمكن للعلماء أن يتعلموا من التجربة لتعديل الأخطاء لتعزيز فاعلية المشروعات وزيادة احتمالات النجاح على نطاق أوسع.

اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة:

يحتاج صانعو السياسات إلى بيانات وأدلة تستند عليها المشروعات والبرامج، لذلك فإن إجراء تقييم الأثر عبر التجارب السلوكية يساهم في صنع أدلة تثبت فاعلية وتأثير هذه التدخلات، ومن ثم تعزز مصداقية السياسات والتدخلات في نظر أصحاب المصلحة والجمهور.

تقييم القبول العام للحلول السلوكية ومنع ردود الفعل السلبية:

القبول المجتمعي ضروري لنجاح أي مبادرة، إذ يمكن أن تؤدي التدخلات السلوكية غير الناجحة أو سوء تنفيذها إلى ردود فعل سلبية من الفئة المستهدفة وأصحاب المصلحة الرئيسيين، لذلك يساعد تقييم الحلول السلوكية قبل التوسع في تنفيذها على نطاق واسع على تحديد مدى تقبل مشروعات الرؤى السلوكية من قبل أصحاب المصلحة وتحديد التحديات المحتملة وفهم التصورات والمواقف في مرحلة مبكرة مما يسمح بالتعديلات على الحلول المقترحة واستراتيجيات الاتصال والرسائل.

 تقييم القابلية للتوسع:

ليست كل التدخلات التي تعمل على نطاق صغير سهلة التوسع. ومن ثم تساعد التجربة على مستوى أصغر على تقييم قابلية توسع مشروعات التدخلات السلوكية عن طريق تحديد التحديات التنظيمية ومتطلبات الموارد والعوائق المحتملة التي قد تنشأ عند توسيع تطبيق التدخلات السلوكية.

يوفر تقييم الأثر الذي يجرى في مراحل مبكرة من تنفيذ المشروع أساساً لاتخاذ القرارات القائمة على الأدلة، وللحد من المخاطر وتحسين التدخلات، مما يزيد في النهاية من احتمالية تحقيق نتائج إيجابية ناجحة ومستدامة.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...